وَمَا قَلَى يعني: ما أبغضك وما كرهك؛ لأن القِلى والقَلاء: هو البغض الشديد،
وَلَلْآخِرَةُ خَيْرٌ لَكَ مِنَ الْأُولَى أي أن الآخرة للنبي -صلى الله عليه وسلم- خير له من الأولى، وهذا في حق المتقين أجمعين، ولكن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هو أتقى الناس، وأبرهم، وأخشاهم لله، وأعلمهم؛ فله الحظ الأوفر يوم القيامة.
وَلَسَوْفَ يُعْطِيكَ رَبُّكَ فَتَرْضَى وهذا وعد من الله -جل وعلا- مؤكد بأنه سيعطي نبيه -صلى الله عليه وسلم- ما يرضيه في الدنيا وفي الآخرة، ولقد أعطاه ربه -جل وعلا- في الدنيا ما أقر به عينه، وكتب الخصائص والشمائل شاهدة بهذا، وسيعطيه الله -جل وعلا- في الآخرة ما يرضيه.
-: أَلَمْ يَجِدْكَ يَتِيمًا فَآوَى يعني أن الله -جل وعلا- وجد نبيه -صلى الله عليه وسلم- يتيما لا أب له، بل ولا أم له، فآواه الله -جل وعلا- بما يسره -جل وعلا- له ممن يؤويه، فكان في حضانة جده، ثم في حضانة عمه.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى أي أن الله -جل وعلا- وجد نبيه -صلى الله عليه وسلم- لا يعلم هذا الكتاب، ولا يدري شرائع الإيمان ولا يعلمها، فهداه الله -جل وعلا- بأن أنزل عليه هذا القرآن العظيم، وعلمه شرائع الإيمان.
وَوَجَدَكَ ضَالًّا فَهَدَى يعني أنه -صلى الله عليه وسلم- كان غافلا عن الكتاب، وعن شرائع الإيمان، وأما الفطرة التي فطره الله -جل وعلا- عليها، وتوحيده -سبحانه وتعالى-، فهذا معلوم من حاله -صلى الله عليه وسلم-، وسيأتي إن شاء الله.
وَوَجَدَكَ عَائِلًا فَأَغْنَى أي: ووجدك فقيرا فأغناك الله -جل وعلا-، وهذا الغنى ليس المراد به -قطعا- أن يكون الغنى بالمال والعرض، وإنما المراد به أن الله -جل وعلا- جعل قلبه غنيا بما آتاه الله -جل وعلا- من الإيمان، والرضا بقضاء الله وقدره، وما امتلأ به قلبه -صلى الله عليه وسلم- من العلم والحكمة.
فَأَمَّا الْيَتِيمَ فَلَا تَقْهَرْ هذا نهي من الله -جل وعلا- لنبيه -صلى الله عليه وسلم- عن قهر اليتيم على أي وجه كان القهر، سواء بالكلام، بالقول، أو بالفعل، أو بأخذ ماله، أو بالتسلط عليه، أو بإيذائه بالأقوال، فكل ذلك لا يحل.
فَلَا تَنْهَرْ يعني: لا تزجره، ولا تطرده، ولا تقل له قولا سيئا
وَأَمَّا السَّائِلَ يعني: السائل عن أمر دينه، الذي يسأل عن أمور دينه، فلا يُنهر، وهذا يدل عليه ما تقدم لنا في أوائل سورة "عبس".
وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ يعني أن العبد إذا أنعم الله -جل وعلا- عليه بنعمة في دينه أو دنياه فإنه يتحدث بها، ولكن هذا الحديث حديث شكر، لا حديث فخر ولا رياء ولا سمعة، وإنما يتحدث بذلك من باب الشكر لله على ما مَنَّ به عليه، ووفقه وهداه إليه من نعمة الدين أو الدنيا، والنبي -صلى الله عليه وسلم- قد أنعم الله -جل وعلا- عليه؛ فأمره ربه -جل وعلا- أن يتحدث بهذه النعمة.